بن زيدون (394 - 461هـ، 1003 - 1068م). أبو الوليد أحمد بن عبدالله بن زيدون المخزومي. من أعلام الشعراء الكتاب الأندلسيين. ولد بقرطبة بالأندلس، نسبه عربي صريح؛ ينتمي إلى قبيلة مخزوم العربية التي كانت من طلائع القبائل الراحلة إلى الأندلس. وهو شاعر الأندلس وأديبها دون منازع. فقد ترك بصماته على التاريخ الأدبي والسياسي للأندلس. وهو سليل أسرة عريقة وبيت علم وأدب، فقد عُني والده بتأديبه، وإعداده لمستقبل حافل. وكان لهذه النشأة في قرطبة الأثر الفعال في تكوين شخصيته العلمية والسياسية. ولم تكن قرطبة مسرح لهو وطرب فحسب، ولكنها كانت منتدى للعلم والأدب. فحصل ابن زيدون على ثقافة واسعة أهلته لأن يكون عَلمًا من أعلامها الأدبية.
يرتبط طالع ابن زيدون بولاَّدة بنت المستكفي بالله الخليفة، الذي كان على قرطبة من قبل آخر خلفاء بني أمية. ولادة بنت المستكفي . ولم يلبث سوى فترة قصيرة حتى ذاعت قصة حبه لولاّدة التي كانت ريحانة عصرها وصاحبة صالون أدبي، فهي مولعة بالشعر والأدب. فنُسجت حولهما القصص، ومن أشهرها تلك التي أدت إلى القطيعة بينهما عندما تحولت ولادة إلى الوزير أبي عامر ابن عبدوس. وقد أثمرت هذه العلاقة قدرًا طيبًا من الشعر والنثر، مثل الرسالة الهزلية وهي محاكاة لرسالة الجاحظ التربيع والتدوير. وفي هذه الرسالة يسخر ابن زيدون من خصمه ابن عبدوس.
شغل ابن زيدون منصبًا سياسيًا لابن جهْور، ولكن ابن جهور وجد عليه فزج به في السجن، وكان هذا السجن هو الباعث على كتابة الرسالة الثانية المشهورة الرسالة الجدية، يستعطف فيها ابن جهور، ويناشده العفو. وفي فترة السجن كتب قصائد جميلة، تتراوح بين الشكوى والعتاب والاستعطاف.
لم يستجب ابن جهور لرسالة ابن زيدون، ولم يعف عنه، ولكن ابن زيدون تمكن عام 433هـ من الفرار من السجن متجهًا إلى إشبيليا، فوجد لدى المعتضد قربًا وحُسنًا. ومن هناك أرسل إلى ولادة قصيدته النونية المشهورة :
أضحى التنائي بديلاً من تدانينا وناب عن طيب لقيانا تجافينا
ولكن ابن زيدون لم يطق صبرًا في بعاده عن قرطبة، فعاد إليها متخفيًا، وأقام في مدينة الزهراء مستشفعًا بأصدقائه لدى أبي حزم بن جهور ليحظى بعفوه. ولما توفي أبوحزم وتقلد ابنه الوليد زمام الحكم أخذ نجم ابن زيدون يعلو مرة أخرى، وتتفتق شاعريته في المدح. ولكن الوليد جفا ابن زيدون متهمًا إياه بتورطه في الفتنة للاستيلاء على السلطان بقرطبة. وعندما أُرسل ابن زيدون سفيرًا إلى ملقة أقام بها خشية العودة إلى قرطبة. ثم بدأ فترة من التطواف في البلاد والتنقّـل بين شرقي الأندلس وغربيها حتى استقر به النوى لدى المعتضد بن عباد بأشبيليا، فطاب له المقام ببلاط ابن عباد حتى سنة 461هـ.
ولكن طيب مقامه في أشبيليا لم ينسه حبه الأول قرطبة. فارتحل إليها مرة أخرى في جو من المؤامرات والدسائس، ثم هاجر عنها ليسلم الروح بأشبيليا بعيدًا عن قرطبة.
وابن زيدون شاعر وناثر وأديب أندلسي عكس صوت قرطبة، وتغنى بحياة الأندلس مصورًا إياها بخيرها وشرها. ومن أجمل شعره قوله في النونية:
بِنْتُم وبِنَّا فما ابتلت جوانحُنا شوقًا إليكم ولا جفَّت مآقينا تكاد حين تناجيكم ضمائرنا يقضي علينا الأسى لولا تأسينا حالت لفقدكم أيامنا فغَدَتْ سُودًا وكانت بكم بيضًا ليالينا إذ جانب العيش طلق من تألُّفنا ومربع اللهو صاف مٍن تصافينا
وقد نالت هذه النونية شهرة واسعة في باب المعارضات الشعرية
ومن رقيق شكواه واستعطافه قصيدته التي كتبها في السجن وأرسلها إلى صديقه ابن برد:
ماعلى ظنِّي بأس يجرح الدهرُ ويأسو ربما أشرف بالمرءِ على الآمال يأس ولقد ينجيك إغفال ويرد يك احتراس